الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ المهندس صلاح الدين طه منزهي
مقالات نصية

إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ

إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ

المسند الجامع – (ج 27 / ص 21)

8742- عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ . قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ r ، إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ ، فَقَالَ : إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ ، وَكَانُوا هَكَذَا ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ . قَالَ : فَقُمْتُ إِلَيْهِ . فَقُلْتُ : كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : الْزَمْ بَيْتَكَ ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفْ ، وَدَعْ مَا تُنْكِرْ ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ.أخرجه أحمد و”أبو داود” و”النَّسائي” في “عمل اليوم والليلة” وابن ماجة”.0

* * *

564 – إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم و خفت أماناتهم و كانوا هكذا – و شبك بين أنامله – فالزم بيتك و املك عليك لسانك و خذ ما تعرف و دع ما تنكر و عليك بخاصة أمر نفسك و دع عنك أمر العامة 0  ( ك ) عن ابن عمرو . قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 563 في صحيح الجامع { الجامع الصغير وزيادته (ص: 57)}

* * *

تفسير القرطبي – (ج 13 / ص 58)

 يقال: مرجته إذا خلطته.ومرج الدين والامر اختلط واضطرب، ومنه قوله تعالى: ” في أمر مريج “. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمرو بن 000

***

3779 – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ أَوْ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ  0

عون المعبود – (ج 9 / ص 376) قَالَ أَبُو دَاوُد هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ r مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ

ـــــــــ

3779  ( يُغَرْبِل النَّاس ) : أَيْ يُذْهِب خِيَارهمْ وَيُبْقِي أَرَاذِلهمْ كَأَنَّهُ نَقَّى بِالْغِرْبَالِ كَمَا فِي الْمَجْمَع 0

 ( تَبْقَى حُثَالَة مِنْ النَّاس ) : أَيْ أَرْذَالهمْ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ . وَفِي الْمِرْقَاة لِلْقَارِي بِضَمِّ الْحَاء وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة وَهِيَ مَا سَقَطَ مِنْ قِشْر الشَّعِير وَالْأَرُزّ وَالتَّمْر وَالرَّدِيء مِنْ كُلّ شَيْء 0

( قَدْ مَرِجَتْ ) : أَيْ اِخْتَلَطَتْ وَفَسَدَتْ .

 ( عُهُودهمْ وَأَمَانَاتهمْ ) : أَيْ لَا يَكُون أَمْرهمْ مُسْتَقِيمًا بَلْ يَكُون كُلّ وَاحِد فِي كُلّ لَحْظَة عَلَى طَبْع وَعَلَى عَهْد يَنْقُضُونَ الْعُهُود وَيَخُونُونَ الْأَمَانَات 0

( وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْن أَصَابِعه ) : أَيْ يُمْزَج بَعْضهمْ بِبَعْضٍ وَتَلَبَّسَ أَمْر دِينهمْ فَلَا يُعْرَف الْأَمِين مِنْ الْخَائِن وَلَا الْبَرّ مِنْ الْفَاجِر كَذَا فِي الْمَجْمَع 0

( فَقَالُوا كَيْف بِنَا يَا رَسُول اللَّه ) : أَيْ فَمَا نَفْعَل عِنْد ذَلِكَ وَبِمَ تَأْمُرنَا 0

( مَا تَعْرِفُونَ ) : أَيْ مَا تَعْرِفُونَ كَوْنه حَقًّا ( وَتَذَرُونَ ) : أَيْ تَتْرُكُونَ 0

( مَا تُنْكِرُونَ ) : أَيْ مَا تُنْكِرُونَ أَنَّهُ حَقّ .0000قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ .

ـــــــــ

3780 –   (وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ) : بِتَشْدِيدِ الْفَاء أَيْ قَلَّتْ 0

( وَامْلِكْ ) : أَمْر مِنْ الْإِمْلَاك بِمَعْنَى الشَّدّ وَالْإِحْكَام أَيْ أَمْسِكْ ( عَلَيْك لِسَانك ) : وَلَا تَتَكَلَّم فِي أَحْوَال النَّاس كَيْلَا يُؤْذُوك 0

( وَعَلَيْك بِأَمْرِ خَاصَّة نَفْسك وَدَعْ عَنْك أَمْر الْعَامَّة ) : أَيْ اِلْزَمْ أَمْر نَفْسك وَاحْفَظْ دِينك وَاتْرُكْ النَّاس وَلَا تَتْبَعهُمْ ، وَهَذَا رُخْصَة فِي تَرْك الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر إِذَا كَثُرَ الْأَشْرَار وَضَعُفَ الْأَخْيَار .

قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَاده هِلَال بْن خَبَّاب أَبُو الْعَلَاء وَثَّقَهُ الْإِمَام أَحْمَد وَيَحْيَى بْن مَعِين . وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ : ثِقَة صَدُوق وَكَانَ يُقَال تَغَيَّرَ قَبْل مَوْته مِنْ كِبَر السِّنّ ..

فيض القدير – (ج 2 / ص 201)

1575 – (الزم بيتك) أي محل سكنك بيتا أو خلوة أو غيرهما قاله لرجل استعمله على عمل فقال يا رسول الله خر لي ، فعلي هذا فالمراد بلزوم البيت الانجماع عن الناس والعزلة ، واحتج به من ذهب إلى ان العزلة أفضل من مخالطة الناس وذهب جمع إلى عكسه والمسألة مشهورة فيها كتب مفردة من الجانبين ورجح ابن أبي حمزة أفضلية العزلة لأهل البداية دون غيرهم أخذا من خلوة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم أولا بغار حراء **  (فائدة) قال بعض الحكماء إذا هرب الحكيم من الناس فاطلبه وإذا طلبهم فاهرب منه (طب عن ابن عمر) بن الخطاب فيه الفرات بن أبي الفرات قال في الميزان عن ابن معين ليس بشئ وعن ابن عدي الضعف بين على رواياته ثم أورد له هذا الخبر انتهى.وذكر نحوه الحافظ العراقي.

فيض القدير – (ج 1 / ص 453)

626 – (إذا رأيت الناس) أي وجدتهم (قد مرجت عهودهم) جملة حالية أي اختلفت وفسدت وقلت فيهم أسباب الديانات والأمانات.

قال الزمخشري : مرج وخرج إخوان في معنى القلق والاضطراب ، يقال مرج الخاتم في يدي ومرجت العهود والأمانات : اضطربت وفسدت ، ومنه المرجان لأنه أخف الحب والخفة والقلق من واد واحد أه 0

 والعهود جمع عهد ، وهو اليمين والأمان والذمة والحفاظ ورعاية الحرمة والوصية.

قال ابن الأثير : ولا تخرج الأخبار الواردة فيه عن أحدهما (وخفت) بالتشديد ، قلت من قولهم خفت القوم قلوا (أماناتهم) جمع أمانة ضد الخيانة (وكانوا هكذا) وبين الراوي ما وقعت عليه الإشارة بقوله (وشبك) أي خلط (بين أنامله) أي أنامل أصابع يديه إشارة إلى تموج بعضهم في بعض وتلبيس أمر دينهم ، فلا يعرف الأمين من الخائن ، ولا البر من الفاجر (فالزم بيتك) يعني اعتزل الناس وانحجب عنهم في مكانك إلا لما لا بد فيه (وأملك) بقطع الهمزة وكسر اللام (عليك لسانك) أي احفظه وصنه ولا تجره إلا فيما لك لا عليك أو امسكه عما لا يعنيك.

قال الزمخشري : من المجاز اخزن لسانك وسرك.

وخصه لأن الأعضاء تبع له ، فإن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت كما مر (وخذ ما تعرف) من أمر الدين : أي الزم فعل ما تعرف كونه حق من أحوالك التي تنتفع بها دنيا وأخرى (ودع ما تنكر) من أمر الناس المخالف للشرع وانظر إلى تدبير الله فيهم بقلبك فإنه قسم بينهم أخلاقهم كما قسم بينهم أرزاقهم ولو شاء لجمعهم على خلق واحد فلا تغفل عن النظر إلى تدبيره تعالى فيهم فإذا رأيت معصية فاحمد الله إذ صرفها عنك في وقتك وتلطف في الأمر والنهي في رفق وصبر وسكينة فإن قبل منك فاحمد الله وإلا فاستغفره لتفريطك * (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) * (وعليك بخاصة نفسك) وفي رواية بخويصة مصغرا واستعملها في المشروع وكفها عن المنهي والزم أمر نفسك والزم دينك واترك الناس ولا تتبعهم.

قال الزمخشري : الخويصة تصغير الخاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة ، وجوز إلتقاء الساكنين فيها أن الأول حرف لين والثاني مدغم والمراد حادثة الوقت التي تخص المرء وصغرت لاستصغارها في جنب جميع الحوادث العظام من البعث والحساب وغير ذلك ثم زاد الأمر بالانجماع تأكيدا دفعا لاحتمال التجوز بقوله (ودع عنك أمر العامة) أي كافة الناس فليس المراد العوام فقط فإذا غلب على ظنك أن المنكر لا يزول بإنكارك لغلبة الابتلاء لعمومه أو تسلط فاعله وتجبره أو خفت على نفسك أو محترم غيرك محذورا بسبب الإنكار فأنت في سعة من تركه والإنكار بالقلب مع الانجماع وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار 0

(فائدة) أخرج في الحلية عن أنس مرفوعا ” يأتي على الناس زمان يدعو فيه المؤمن للعامة فيقول الله ادع لخاصة نفسك أستجب لك وأما العامة فإني عليهم ساخط.

(ك عن ابن عمرو) بن العاص قال كنا جلوسا حول رسول الله r إذ ذكر الفتنة فذكره قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال المنذري والعراقي سنده حسن.

المسند الجامع – (ج 6 / ص 89)

1631-  عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً ، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ.أخرجه أحمد 3.

* * *  

إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (24/ 316)

ح أبو أمية الشعباني قال سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت رسول الله r قال: “ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع العوام” .

 وقال: “من ورائكم أيام الصبر فيها كقبض على الجمر للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله” .

قال أبو عمر:قد قدمنا في باب يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد من الآثار ما يوضح أن الحرج مرفوع عن كل من يخاف على نفسه في تغيير المنكر أو يضعف عن القيام بذلك.

****

صحيح البخاري – (ج 2 / ص 288)

458 – حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ ابْنِ عَمْرٍوشَبَكَ النَّبِيُّ r أَصَابِعَهُ…… قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ بِهَذَا

شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد (25/ 178)

* (يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة..). والغربلة: أنهم يفتنون فيتميز الصالحون من غيرهم وتبقى حثالة كالنخالة التي تكون في المنخل عندما يغربل فيه الحب أو الدقيق، فإنه يسقط الشيء الخالص، ويبقى الحثالة التي لا تدخل من ثقوب المنخل، فهؤلاء الذين يبقون هم مثل الحثالة التي تبقى في المنخل، والذين فيهم الخير يخرجون كما يتساقط الدقيق أو الحب من فتحات أو من خروق المنخل.

 قوله: .. قد مرجت عهودهم وأماناتهم، يعني: اختلطت وذهب الوفاء بها فتذهب الأمانات ولا يوفى بالعهود.

قوله: (وشبك بين أصابعه). شبك بين أصابعه يعني: كما تتداخل الأصابع مع بعضها عند التشبيك بحيث تختلط وتمتزج، يكون هذا شأن هؤلاء الذين مرجت عهودهم وأماناتهم…

 قوله: (وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم). وتقبلون على أمر خاصتكم، يعني: كل يسعى لسلامة نفسه وحفظها، وكونهم مرجت عهودهم وأماناتهم، وصاروا بهذه الأوصاف والهيئات معناه أن الإنسان يحرص على أن يبقى سالماً، وألا يصيبه ما أصابهم، وألا يحصل له ما حصل لهؤلاء الذين مرجت عهودهم وأماناتهم، ومعلوم أن الأمانات عامة تشمل كل ما بين الإنسان وبين ربه، وكل ما بينه وبين الناس، كما قال الله عز وجل:{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]}. أي: كل ما أمر به الإنسان سواء كان حقاً لله أو حقاً للمخلوقين فإن عليه أن يؤديه، وبذلك يكون أدى الأمانة، وإذا كان بخلاف ذلك فإنه يكون قد خان الأمانة، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والغسل من الجنابة أمانة، وكل هذه أمانات، وحقوق الآدميين أمانة، وعلى الإنسان أن يؤدي الأمانات.

شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد (25/ 181)

شرح حديث: ( … يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة … ) من طريق أخرى.

0000 وكانوا هكذا -وشبك بين أصابعه- قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة) .

أورد أبو داود حديث ابن عمرو من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله 000

 فكون الناس تخف أماناتهم ولا يؤتمنون وكذلك العهود لا يوفون بها فهذه من فتنة المحيا. قوله: (واملك عليك لسانك) يعني: لا تتكلم بما لا ينبغي، فلا تكون سبباً في الفتنة لا بقول ولا بعمل.

قوله: (وعليك بأمر خاصة نفسك) ]. يعني: اجتهد في خلاصك، ولا تهلك مع من هلك، كما جاء عن بعض أهل العلم أنه قال: لا يغتر الإنسان بطريق الشر ولو كثر السالكون لها، ولا يزهد عن طريق الخير وإن قل السالكون لها، فليس العجب ممن هلك كيف هلك وإنما العجب ممن نجا كيف نجا، لأن الهالكين كثيرون، والله تعالى يقول:[ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ الله ]0

هذا هو الأصل، وسنة الله في خلقه أن الهالكين هم الكثيرون، وأن الناجين هم القليلون، فلو ترك الأمر لقلة الأخيار وكثرة الأشرار فمعناه أنه يترك نهائياً0

ولكن المقصود: حيث لا يجدي الأمر والنهي، أو يحصل به مضرة على الإنسان.

 وقد ورد التشبيك بين الأصابع في مقام المدح والثناء في حديث المؤمن للمؤمن، وجاء هنا في جانب الذم، ففيه الإشارة إلى الاختلاط والامتزاج، وأنهم كلهم بهذه الطريقة، ففي جانب المدح كالبنيان: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه)، وهؤلاء مرجت عهودهم وأماناتهم فصاروا هكذا في اختلاطهم وامتزاجهم، كما تمتزج الأصابع في بعضها البعض عند التشبيك، وهؤلاء كذلك تداخلوا وامتزج بعضهم ببعض، وصاروا على قلب رجل واحد، وعلى وجهة واحدة وهي عدم الوفاء بالعهود وعدم أداء الأمانات.

***

القول البين الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص: 156) عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

ــ

4- ما روي عن طائفة من الصحابة في قوله تعالى: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } (سورة المائدة آية: 105) قالوا: لم يأت تأويلها بعد، إنما تأويلها في آخر الزمان.

من ذلك :أ- عن ابن مسعود قال : “إذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، فهو حينئذ تأويل هذه الآية “.

ب- عن ابن عمر قال : “هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم”.

***

الآداب الشرعية – ابن مفلح (1/ 216)

فَصْل ( النُّصُوص فِي وُجُوب الْأَمْر بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ) .

قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيز بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر فِي مَوَاضِع وَعَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .

وَمَعْنَى أَوْشَكَ أَسْرَعَ .

وَعَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَا مِنْ قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مَنْ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُ وَأَمْنَعُ لَمْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ إلَّا أَصَابَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ .

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ } .

وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعَذَابٍ مِنْهُ } إسْنَادٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .

00 عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ : { بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا ، وَهَوًى مُتَّبَعًا ، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ ، فَعَلَيْك بِنَفْسِك وَدَعْ عَنْك الْعَوَامَّ ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ r: أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ : لَا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ } عُتْبَةُ مُخْتَلَف فِيهِ وَبَاقِيه جَيِّد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَن غَرِيب وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ بَعْد قَوْله بِرَأْيِهِ { وَرَأَيْت أَمْرًا لَا يُدَانُ لَك بِهِ فَعَلَيْك بِخُوَيْصَةِ نَفْسِك } وَذَكَرَهُ .

شرح حديث كيف أنت يا عبد الله

موسوعة الخطب والدروس (/ 1)

ناصر بن محمد الأحمد / الخبر /30/10/1415هـ 000 لنور

00 كل حديث من أحاديث الرسول r يناسب أن يكون موضوع خطبة أو محاضرة أو درس يقدم للناس. فمن كلامه يمكن أن يتعرف الناس على واقعهم، ومقدار القرب والبعد عما يريده الله منهم.00

ومن عجيب فقه الإمام البخاري رحمه الله تعالى أنه أورد هذا الحديث تعليقاً في كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره.ورواية الإمام أبي داود في كتاب الملاحم.

الحثالة: هي التي في آخر الإناء.

والحثالة: هو الرديء من كل شيء، فحثالة التمر هو أردؤه، وما لا خير فيه. وكذلك الحثالة من الناس، هم أراذل الناس وشرارهم وسفلتهم، وهم الذين لا خير فيهم.

نعم أيها الأحبة، إن فئة من الناس قد يصلون، إلى هذا الأمر، الذي ذكره النبي r ، حثالة من الناس. ولا أظنك أخي المسلم، محتاج إلى كبير جهد، لكي تجد بعض أفراد هذا الصنف من الناس، ومع كل أسف، فإن هذه الحثالة بدأت تنمو، وتزداد، وتتكاثر، حثالة في كل طبقة.وحثالة في كل ناحية، هذه الحثالة لا يهمها أمر الناس، لا يهمها إصلاح وضع، ولا يهمها إزالة خطأ، ولا يهمها نشر وعي وخير بين الناس، لأنهم حثالة، يعيشون لبطونهم، ويعيشون لشهواتهم ولا يهمهم إلا أنفسهم، المهم أن يبقى ويأكل ويشبع ويجمع وما سوى ذلك، فليس في تفكيره، كم أيها الأحبة ممن نعرف وممن لا نعرف بهذه الصفة. لا تهتم الواقع، ولا يؤلمها آلام الغير، ولا تكترث لأحد، ينام ملء عينه، ويأكل ملء بطنه، ويضحك ملء فمه، وبعد ذلك فليحصل ما يحصل إذا كثر هذا الصنف من الناس في مجتمع أو بلد أو أمة، فإن هذا مؤذن بخطر المسلم، لا ينبغي له أن يعيش لنفسه فحسب، فهذه عيشة الحيوانات والبهائم.

الأصل في المسلم، أن يعيش لغيره، لأنه لا ينظر فقط إلا عمر هذه الحياة الدنيا بل هو يعتقد بأمور وقضايا وراء هذا العالم المحسوس.

الحثالة من الناس هم الذين يعيشون لأنفسهم ولا يفكرون إلا في ذواتهم لا يهمهم لو زاد المنكر، ولا يهمهم كذلك لو نقص الخير، لا يحزنون لو مات عالم، ولا يفرحون لو ولد عالم، الحثالة من الناس لا يتفاعلون مع أحداث الأمة، لا يقلقون لتغريب، ولا ينزعجون بتطبيع، فاحذر أخي المسلم أن تكون من هذه الحثالة، فإنك ما خلقت لتكون حثالة، وما أصبحت مسلماً وانتسبت إلى أمة محمد r لتكون من حثالة الناس، بل الذي يطلبه منك الإسلام، أن تنظف المجتمع من الحثالة، لا أن تبقى معها، وتسير في ركابها.

ثم ذكر النبي r شيئاً من حال هذه الحثالة فقال: (قد مرجت عهودهم وأماناتهم00).

**وقد شبه النبي r الحال الذي يصل إليه الناس إذا فسد العهد، وفسدت الأمانة، بالاضطراب والتشابك وتعقد الأمور، فشبك النبي r بين أصابعه لكي يعطي تصوراً للواقع الذي تصل إليه الأمة، وأي سوء لواقع ولوضع لا يعرف فيه الأمين من الخائن، ولا يعرف البر من الفاجر، ولا الصالح من الكالح، أي مصيبة لوضع، تكثير فيه الخيانات، وتضعف فيه العهود على مختلف الطبقات والمستويات ويكثر فيه القيل والقال، يصل الحال إلى حد التشابك، التشابك في التصورات، والتشابك في الرؤية، والتشابك في معرفة العلاج لكثير من صور الخيانات ونقض العهود كيف يكون حال الأمة إذا أصبحت الخيانة هي السلعة الرائجة، وكيف حال مجتمع، يقدم فيه الخائن، ويؤخر الأمين.

حقاً: إنها لمأساة، ما أسوأه من حال، وما أفسده من وضع، ولهذا خاف الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يدرك ذلك الوضع، وحُق له أن يخاف، فسأل النبي r عن المخرج والحل، وماذا يصنع عند ذاك. وفي رواية قال: فقمت إليه فقلت: (كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟) وهذا هو المطلوب من المسلم، أن يسأل أهل العلم، وأن يأخذ بآراء أهل الخبرة والفقه في الأمور، وأن يلجأ إلى العلماء في حال الفتن، واشتباك الأمور، ولا ينفرد هو برأيه وعقله.فماذا كان العلاج النبوي لذلك الصحابي الجليل حول مرج العهود والأمانات والتشابك والاضطراب في حال الناس.

قال r : (اتق الله عز وجل وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بخاصتك وإياك وعوامهم)، إن هذه الوصفة النبوية، اشتملت على خمس فقرات، كل فقرة، تحتاج إلى خطبة مستقلة.

فأولاً: قال: اتق الله عز وجل.

والتقوى في مثل هذه الحالات هي العاصم بأمر الله عز وجل، التقوى: وصية الله للأولين والآخرين، وهل تظن أخي المسلم، أن من يحمل التقوى، تختلط عهودهم، هل من يحمل التقوى تحصل منه خيانة، لنفسه أو لدينه، أو لبلده، التقوى ليست كلمات تردد، ولا تسابيح تعد. التقوى أخي المسلم أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.

التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.

التقوى هي العاصم إذا تداعت الخطوب وادلهمت الأمور، وضاقت المسالك: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2]}،{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4]}، إذا اشتبكت الأمور فالتقوى هي الفرقان{ يِاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]}.

ثم قال صلى الله عليه وسلم بعدما أكد على مسألة التقوى قال: خذ ما تعرف ودع ما تنكر. نعم خذ ما تعرف، والذي لا تعرف أو فيه شك فهذا دعه.

ما هي مشكلة الأمة الآن من حثالة الناس، المشكلة أن هذه الحثالة لا تتورع فيما تأخذ، ولا تتقي الله فيما تأخذ، هدفها الأخذ، شيء من الحلال، والباقي والغالب نسأل الله العافية من الحرام.

وهذا أخي المسلم، أحد النتائج المترتبة على المجتمع الذي قد اختلط وفسد فيه عهود الناس وأماناتهم، إذا قَلّت الأمانة عند الناس، أو انعدمت عند البعض الآخر، فإنه لا يتورع حينئذٍ فيما تأخذ وفيما تدع، كم في المجتمعات من أبرياء ومساكين، يشتكون أنهم قد سلبت حقوقهم، وأخذت أموالهم.

ـــــــــــــــــــ

1918 – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ 0 صحيح البخاري – (ج 7 / ص 215) ، حم ، حب 0

ـــــــــــــــــــ

8744- عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو . قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r : كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : إِذَا مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ، وَكَانُوا هَكَذَا ، (وَشَبَّكَ يُونُسُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، يَصِفُ ذَاكَ) ، قَالَ : قُلْتُ : مَا أَصْنَعُ عِنْدَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : اتَّقِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَخُذْ مَا تَعْرِفْ ، وَدَعْ مَا تُنْكِرْ ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ ، وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ.

أخرجه أحمد 2/162(6508) قال : حدثنا إسماعيل ، عن يونس ، عن الحسن ، فذكره. المسند الجامع – (ج 27 / ص 23)

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى خذوا ما تعرفون، ودعوا ما تنكرون، وإياكم ثم إياكم من مواطن الشبهات، والقضايا المشكوك فيها، وما أكثرها في هذا الزمان، فكل لحم من السحت فالنار أولى به.

وأغلب الناس إنما يؤتون من باب المشتبهات وهي القضايا والأمور التي لا يتضح فيها الحلال من الحرام.ولهذا جاء التحذير النبوي من الخوض في مثل هذه الأمور ففيما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)).

اعلم كذلك أخي المسلم، بأن ما تأخذ وما تدع لا ينحصر في الأمور المادية، فحسب، بل كن على حذر حتى في القضايا والأمور المعنوية فلا تأخذ إلا ما تعرف ودع ما تنكر، بل ينبغي الحذر فيها أكثر من الحذر في الماديات في بعض الأحيان.

فلا تأخذ من الأخلاق والأفكار والتصورات والمعاني إلا ما تعرف أنه من شريعة رب العالمين، وما سواه فدعه لأنه منكر.

0000أما بعد: ختم الرسول r وهو يصف العلاج لعبد الله بن عمرو بن العاص حال تشابك الأوضاع، واضطراب الأمور، وكثرة الفتن بقوله: ((وعليك بخاصتك وإياك وعوامهم)) وفي رواية: ((وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة)).

 وهذا كلام بليغ شامل دقيق من المصطفى r يمكنك أخي المسلم أن تلحظ من خلاله عدة إشارات:

الإشارة الأولى: إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن الأمة كلها أو أن المجتمع بأسره، يحصل له التشابك والاضطراب، وأن وصف الحثالة ينسحب على الجميع، هذا لا يمكن أبداً، هذا يفهم من قوله: ((وعليك بخاصتك)).

إذاً هناك بقية من أهل الخير والهدى يدعون إلى الأمر الأول الذي كان عليه عبد الله بن عمرو بن العاص، وهذه الثلة، هم الذين يقاومون الحثالة في كل مجتمع وينهون عن الفساد في الأرض، وفي مثل هؤلاء، جاء التوجيه النبوي لذلك الصحابي ولنا أيضاً، أن نقبل على هؤلاء الخاصة ونذر أمر العامة حال التشابك وحال الفتن، وحال اضطراب الأمور والأوضاع ثم من الذين يحددون لنا ما نأخذ وما ندع، هم هؤلاء الخاصة، الذين أرشد النبي r راوي الحديث بأن يقبل عليهم، وأن يكون معهم، ويلتفت حولهم، ويسير في ركابهم بقوله: ((وعليك بخاصتك)).

الإشارة الثانية: أن النبي r ذكر بأن هناك خاصة، فهناك خاصة للمؤمنين، وهناك خاصة لطلبة العلم، وهناك خاصة للدعاة، وهناك خاصة لأهل الخير والاستقامة كما أن هناك خاصة لأهل الشر والفساد، وهناك خاصة للمجرمين وهكذا، لكن كما تلاحظ في الحديث بأن توجيه رسول الله r لعبد الله بن عمرو بن العاص أن يكون قريباً من الصنف الأول، وهم الخاصة من المؤمنين، والخاصة من أهل الدين والعلم والدعوة والخير والهدى، لكي ينتفع بعلمهم، ولكي يزداد إيماناً بالجلوس معهم، ولكي يعينوه على نفسه حال تشابك الأمور، واضطراب الأوضاع وكثرة الفتن.

إن هؤلاء الخاصة هم الذين يقيمون الحجة على العالمين.

إن هؤلاء الخاصة، يجدون من الروح والسعادة والإيمان مالا يجده غيرهم.

إن هؤلاء الخاصة الذين أرشد النبي r عبد الله أن يقبل عليهم هم زبدة أهل الأرض، وهم طيبها، وهم مصدر الخير والبركة والأمن، وأما العوام فهم تبع لهم.

ثم إن هؤلاء الخاصة وإن كانوا قلة في عددهم لكنهم كثرة بإيمانهم وبإخلاصهم وصدقهم ودعوهم قال الله تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]}.

الإشارة الثالثة: ((ودع عنك أمر العامة)). فليس كل ما عند العامة صحيح وصواب ولا تنخدع بالكثرة، فإن الصواب يعرف من الكتاب والسنة، لا مما عليه العامة، وبهذا تعلم فساد بعض الاصطلاحات الشائعة عند الناس كقولهم: الموت مع الجماعة رحمة، أو إذا كان كل الناس وكل المجتمع وكل البلد أو كل الأهل يفعلون كذا فأنا واحد منهم، هذا ليس بصواب، ولهذا يقول الرسول r : ((ودع عنك أمر العامة)).

وفي المقابل جاء التوجيه بالإقبال على الخاصة.اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه…

* * *

قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)

الوسيط لسيد طنطاوي – (ج 1 / ص 1384)

والخبيث – كما يقول الراغب – ما يكره رداءة وخساسة محسوسا كان أم معقولا ، وأصله الردئ الدخلة الجاري مجري خبث الحديد كما قال الشاعر :

              سبكناه ونحسبه لجينا … فأبدى الكير على خبث الحديد

وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد ، والكذب في المقال ، والقبيح في الفعال .

والطيب : الشيء الحسن الذي أباحته الشريعة ورضيته العقول السليمة ، ويتناول الاعتقاد الحق ، والمقال الصدق ، والعمل الصالح .

والمعنى : قل – يا محمد – للناس : إنه لا يستوي عند الله ولا عند العقلاه القبيح والحسن من كل شيء ، لأن الشيء القبيح – في ذاته أو في سببه أو في غير ذلك من أشكاله – بغيض إلى الله وإلى كل عاقل ، وسكون مصيره إلى الهلاك والبوار .

أما الشيء الطيب الحسن فهو محبوب من الله ومن كل عاقل ، ومحمود العاقبة دنيا ودينا .

وقوله : { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخبيث } زيادة في التنفير من الشيء الخبيث ، وحض على التمسك بما هو طيب .

أي : لا يستوي في ميزان الله ولا في ميزان العقلاء الخبيث والطيب ، حتى ولو كان الفريق الخبيث كثير المظهر ، براق الشكل ، تعجب الناظرين هيئته فلا تغتر به أيها العاقل ، ولا تؤثر في نفسك كثرته وسطوته فإنه مهما كثر وظهر وفشا . فإنه سيء العاقبة ، سريع الزوال ، لذته تعقبها الحسرة ، وشهوته تتلوها الندامة ، وسطوته تصحبها الخسارة والكراهية ، وطريقة المليئة بالدنس والقذر يجب أن يوصد أبوابها الأخيار الشرفاء .

أما الفريق الطيب أو الشيء الطيب فهو محمود العاقبة ، لذته الحلال يباركها الله ، وثماره الحسنة تؤيدها شريعته وتستريح لها العقول السليمة ، والقلوب النقية من كل دنس وباطل وطريقه المستقيم – مهما قل – سالكوه – هو الطريق الذي يوصل إلى كل خير وفلاح .

ولا شك أن العقل عندما يتخلص من الهوى سيختار الطيب على الخبيث لأن في الطيب سعادة الدنيا والآخرة .

وما أحسن قول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها : ” ما تمتع الأشرار بشيء إلا وتمتع به الأخيار ، وزادوا عليهم رضا الله U ” .

والفاء في قوله : { فاتقوا الله ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } للإفصاح عن كلام مقدر ، والتقدير :

إذا كان الأمر كما بينت لكم – أيها الناس – من أنه لا يستوي الخبيث والطيب . لأن أهل الخبيث سيعاقبون ويندمون مهما كثروا وأهل الطيب سيثابون ويفرحون ، إذا كان الأمر كذلك فاتقوا الله يا أصحابا العقول السليمة بأن تجتنبوا كل ما هو خبيث ، وتقبلوا على كل ما هو طيب ، لعلكم بسبب هذه التقوى والخشية من الله تنالون الفلاح والنجاح في دنياكم وآخرتكم .

والجملة الكريمة تذييل قصد به تأكيد ما مر من الترغيب في الطاعات والتحذير من المعاصي 0

قال الفخر الرازي : لما ذكر – سبحانه – هذه الترغيبات الكثيرة في الطاعة ، والتحذيرات من المعصية . أتبعها بوجه آخر يؤكدها فقالك { فاتقوا الله ياأولي الألباب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } : أي : فاتقوا الله بعد هذه البيانات الجليلة والتعريفات القوية ، ولا تقدموا على مخالفته لعلكم تصيرون فائزين بالمطالب الدنيوية والدينية العاجلة والآجلة .

‏12‏/05‏/2020م / ‏الثلاثاء‏، 20‏ رمضان‏، 1441هـ

مقالات ذات صلة

إغلاق