الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ المهندس صلاح الدين طه منزهي
مقالات نصية

الأعداء الثلاثة

الأعداء الثلاثة

للشيخ حسين محمد مخلوف

محاضرة ألقاها على طلبة الجامعة الإسلامية بالمدينة فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف، مفتي الديار المصرية سابقاً، وعضو جماعة كبار العلماء، وعضو رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وأحد أعضاء المجلس الاستشاري للجامعة.00000

وهناك مرض خطير أصاب المسلمين فأوهن قواهم، وأذهب ريحهم، وأغرى بهم أعداءهم، وجرّ إليهم الويلات، ذلك هو مرض التفرق والاختلاف بين جماعات المسلمين والتنابذ والتعادي، وهو مرض وبيل، وداء خطير يجب أن ينال من عناية الدعاة إلى الله والعلماء التقاة ما يزول به الداء ويشفى هذا السقام.

فقد أوجب الله عليهم في هذا الموقف أن يبصروا المسلمين بمغبة التنازع والتفرق، وأنه محرم عليهم، وأنه يجب عليهم الآن بعد نزول البلاء وتحقق النذر أن تتصافى قلوبهم وتطهر من الضغائن والأحقاد صدورهم، وتقلع عن الهواجس والأهواء جماعاتهم وتتراحم وتتواد، وتتعاطف، وتلتقي على كلمة سواء في جهاد الأعداء واستعادة العزة والكرامة، ودفع الأسواء.

والله تعالى يقول: } وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم} , ويقول: } وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا { ، والرسول r يقول: “والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً”, ويقول: “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”, إلى كثير من الآيات والأحاديث في هذا المقام الناهية عن التفرق، الحاثة على الاجتماع والوئام والتعاون والتناصر.

فمن أهم الواجبات على الدعاة إلى الله, وعلى سائر العلماء أن ينصحوا ويفصحوا ويبصروا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وعلى من يعصي تدور الدوائر.

ولقد حلت بالمسلمين الكارثة الماثلة الآن بسبب هذا التفرق الممقوت والإعراض عن الاعتصام بحبل الله المتين، وهو كلام رب العالمين وعن أحاديث سيد المرسلين، فعلينا أن ندعو إلى الرجوع إليهما والائتمام بهما في كل شؤوننا {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .

وهذا كتاب ربنا وشريعة نبينا نور وهدى وبصائر لمن استمع إليهما، وفيهما كل الخير والفلاح في كل زمان وأمة ومكان، فلنأخذ بهما، ولننبذ كل ما يخالفهما، والله تعالى كفيل بنصرنا على أعدائنا  { وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }{ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .

ذلك هو العدو الداخلي، وهذا طريق الخلاص منه، والانتصار عليه، فهل نحن سالكون هذا الطريق المشروع الآمن؟ نرجو من الله التوفيق له.

أما العدو الخارجي، فاعلموا أيها الإخوان أن أعداء الإسلام كثيرون، قد أجمعوا مع تفرقهم في النحل والمذاهب والآراء على الكيد للإسلام، وكتابه ورسوله، ودعوته، وبلاده، وحاضره، ومستقبله بمختلف الوسائل بحنق وغيظ وتدبير وخطط مرسومة.

فهناك الصهاينة الباغون يدبرون للإسلام منذ قرون أسوأ التدبير وأخفاه سعياً وراء تفتيت الجماعة الإسلامية, وإشعال نار الفتن بين المسلمين، والفرقة والاختلاف في كل مهامهم، بأساليب شتى لا يتسع هذا المقام لشرح تفصيلها.

وإنما أذكر وسيلة واحدة خفيت حقيقتها على كثير هي (الإخاء الماسوني) فقد أنشئوا نظام الماسونية، وأقاموا له فروعاً في أكثر الدول، وشكلوا جمعياته فيها، ووضعوا له نظماً، واصطلاحات ورسوماً، يتعارف بها الأعضاء المنتسبون له من كل دولة، وأهم مبادئه الإخاء بين جميع الأعضاء مهما اختلفت دياناتهم وجنسياتهم وبلادهم، فيصبح الماسوني أخاً للماسوني، يضحي في سبيله بكل غال، ويعاونه بكل وسيلة، ويحقق أغراضه مهما تعارضت مع دينه أو وطنه أو أخلاقه، فاليهودي يتآخى مع المسلم، والمسلم يتآخى مع المسيحي، والمسيحي يتآخى مع الملحد، وكلهم إخوة متناصرون، يُضحُّون في سبيل هذه الأخوة بكل شيء، وبذلك تحل الرابطة بين المسلم وأخيه المسلم إذا تعرضت مع الأخوة الماسونية، ويحل محل رابطة الإسلام وأخوته التي شرعها الله تعالى رابطة الماسونية الأثيمة.

وقد اغتر بهذه الدسسية بعض القدامى، فانخرطوا في سلك الماسونية ومجامعها الدولية بسلامة نية, وحسبوها أخوة بريئة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وتورَّطوا فيها كثيراً، والحمد لله قد خفّت وطأتها نوعاً حيث ظهرت العداوة أخيراً في وضح النهار، وقد كانت في أول الأمر خفية متوارية أبان الضعف والتدبير.

هذه إحدى مكائد الصهيونية العقائدية والاجتماعية.

واليهود كما تعلمون قوم بهتٌ يأكلون السحت، ولا يعيشون إلا بالحرام، ولا يبالون في سبيل المال بشيء من الدين أو الأخلاق أو حرمة الأعراض، فهم عبّاد المال أينما وجد، وبأي طريقة اكتسب، وهم يساكنون المسلمين في بلادهم منذ القدم قبل أن يحتلون فلسطين ويكوِّنوا لهم دولة, فنشروا الربا بين المسلمين، وأغروهم بمكاسبه الهائلة، فتبعهم من ضعُفَ إيمانُه وخلقُه من المسلمين. واليهود في كل العالم ملوك المال، القابضون بأيديهم على زمام الاقتصاد، حتى في أميركا فبه يتحكمون, ويملون سياستهم على كثير من الدول والبلاد والأشخاص ما في ذلك شك، ذلك بعض خطر اليهود، والاحتياط منه ودرؤه عن المسلمين أن يأخذوا بكتاب الله في تحريم الربا بجميع صوره وأشكاله، وفي آداء حق المال لمن يستحقه كما أمر الله تعالى.

وبذلك تنقطع مادة من أعظم مواد الشر والفتنة التي يقيمها اليهود وأقاموها من قديم في بلاد الإسلام.

وهذا كتاب ربنا بين أيدينا في هذا المجال صريح فيه وعلاج شاف لمن يبغيه.

أما المسيحيون وهم العدو الثاني فقد مثلوا دورهم في الكيد للإسلام، وإيذاء المسلمين بصور شتى, منها فتنة التبشير في البلاد الإسلامية (كما يسمونه) لإدخال المسيحية فيها وإبعاد الراغبين في الإسلام عن الإسلام.

يقيمون لتحقيق أغراضهم المستشفيات المجانية وينفقون الأموال الطائلة في الترغيب في المسيحية بمختلف الطرق, وفي الطعن في الإسلام بكل افتراء، ولهم في إفريقيا وخاصة في وسطها ومجاهلها مجال فسيح, وقد ساعدهم في مهمتهم الاستعمار الخبيث الذي منيت به تلك الأصقاع, فلم يكن استعماراً إقليمياً سياسياً اقتصادياً فحسب وإنما كان مع كل ذلك استعماراً دينياً فظيعاً.

وقد بقي ولا يزال أهل تلك الأصقاع يعانون آثاره حتى بعد الاستقلال وخلع نير الاستعمار، ولدينا من ذلك صادق الأخبار.

هذه دسيسة مسيحية ظاهرة.

وهناك دسيسة أخرى جميلة الظاهر، قبيحة الباطن هي دسيسة الدعوى العامة إلى تحديد النسل أو تنظيمه كما يقولون في البلاد الإسلامية، وقد دعا إليها كثير، وخاضت فيها الصحف مراراً، ولا تزال موضع الحديث ومحاولة التنفيذ، وإليكم طرفاً من تاريخها.

نبتت هذه الفكرة بادئ بدء من المسيحيين حتى خافوا كثرة النسل في المسلمين بسبب جواز تعدد الزوجات, وشريعة الإسلام على خلاف ما هو عند المسيحيين في تحريمه, وحسبوا لكثرة المسلمين حسابها لما فيها من القوة والعزة والغلبة، وقديماً قيل: “إنما العزة للكاثر”؛ ولأنها سبب العمل لرفع نير الاستعمار والتخلص من استغلال الأجنبي لموارد الرزق في البلاد, وبقاء البلاد لأهلها أرضاً وغلة وثمرات, فأشاعوا في طول البلاد وعرضها أن كثرة التناسل ستؤدي بالشعوب وتسبب القحط الماحق عما قريب, وبالتالي الهلاك والفناء بعد الفناء, بحجة أن حاصلات البلاد لا تكفي لمؤن أهلها, والعلاج لذلك تحديد النسل أو تنظيمه حتى لا يتزايد وينمو, وبدأوا وأعادوا في ذلك, وانتحلوا إحصاءات وبينات في ذلك لا تحمل في ظاهرها إلا الوجه الاقتصادي.

واغتر بذلك بعض المسلمين فرسموا خططهم وأخذوا يكتبون في ذلك, وألقى بعض المتعلمين بدلالهم فيه حتى قاسه بعضهم على العزل المعروف, وقال بجوازه شرعاً, فجوّز التحديد أيضاً قياساً عليه.

وقد خضنا عباب هذا الموضوع منذ سنين, وكتبنا فيه في الصحف وغيرها، وكشفنا عن الباعث على إثارته, وأنّ حكم العزل مختلف فيه بين الأئمة كما ذكره الإمام ابن القيم في زاد المعاد؛ فمنعه فريق كثير, وأجازه بعضهم بشرط رضا الزوجة الحرة به، وقلنا إنه ضرر اجتماعي؛ لأن مصلحة المسلمين في كثرتهم لمقاومة الاستغلال والاحتلال, وللجهاد في سبيل الله, وفي سبيل إنقاذ البلاد, وهاهي الحروب الطاحنة تفني العديد من الأنفس فما لم تكن في الأمة عوض عنهم تذل وتخضع.

على أن الأرزاق بيد الخلاق، وليس الرزق مقصوراً على الزراعة ولا على الإنتاج، وهناك الصناعات والتجارات والعالم كله رقعة واحدة يستفيد بعضهم من بعض، وكلٌّ ينتفع بما عند الآخر بطريق التبادل, والدعوى العامة لتحديد النسل خطر على المسلمين، ولا تجوز شرعاً، فقد ورد أنّ الشارع يباهي بأمته وكثرتها الأمم الأخرى يوم القيامة، وأثبتنا ذلك في فتاوينا المطبوعة بمصر، وأهبنا بالمسلمين أن يكفوا عن هذه الدعوة العامة والدعاية الخطيرة.

وأخيراً حذّرنا ونحذر من هذه الدسيسة الخبيثة الأجنبية، والله المستعان.

والدول المسيحية بأسرها لا تحمل للإسلام والمسلمين إلا أشد البغض, وتدبر لهم أسوأ التدبير، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.

وبهذه المناسبة نقول: إن على المسلمين العمل الجدي على الاكتفاء الذاتي، في كل أمورهم عما بأيدي تلك الدول, من صناعات وعلوم وغيرها, حتى يقفوا معهم موقف الند للند، وبذلك يخشون بأس المسلمين ويحسبون لهم ألف حساب.

ولنقتصر في القول في الصهيونية والمسيحية على ما قدمنا كأمثلة ظاهرة على ما يحبكون للمسلمين من تدبير وسوء.

ونقول: إنّ أمامنا الآن عدواً شديد الخطر, واسع الحيلة والمكيدة، وهو الشيوعية الملحدة الضالة التي تناهض الأديان كلها وخاصة الإسلام، ولذلك نراها تناهض اليهودية والمسيحية بهوادة ورفق، ولكنها تناهض الإسلام بقسوة وجبروت وطغيان وحنق، وترى في تعاليم الإسلام أعظم عقبة وألد عدو لها، تعمل جاهدة للقضاء عليه.

انظروا إلى ما فعلت الصين، وما فعلت روسيا في الأمم المسلمة الشرقية كالتركستان، أبادت أكثرهم واستلبت بلادهم وأموالهم، وحرمتهم من شعائر دينهم، حتى أصبح الجهر بالصلاة جريمة فظيعة يعاقب عليها بالحديد والنار، ولقد سمعت أن قبر الإمام البخاري أصبح مزبلة تجمع فيه القمامات، وكلكم يعرف ما يفعله الشيوعيون في أندونيسيا وباكستان وغيرهما ضد المسلمين، وطغيانهم أشبه، بل أكثر وأطم من طغيان المغول في الزمن الغابر، بل هم خلفاؤهم في هذه الفظائع.

الشيوعية شرّ مستطير، وقد زحفت إلى كثير من البلاد الإسلامية، وكلكم تعرفون أنباءها من الصحف وغيرها ولا تتوقف في زحفها، وذلك لضعف المسلمين في الأقطار التي منيت بها وتفرق كلمتهم، وتمزق جامعتهم ومجافاتهم لتعاليم دينهم.

إنّ خطة الشيوعية الاستحواذ على أقطار الإسلام، وصرف الشباب الناشئ عن الإسلام إلى ما يريدون, وتصوير مبادئهم بصور خلابة كاذبة حتى يقبل الناس عليها ويرون فيها المنقذ للفقراء، ذلك هو الخطر الداهم, وسيتفاقم لو ظللنا في عجابة وجهالة وتفرق وتمزق ومقاطعة لأحكام الإسلام الحنيف، فهل آن للمسلمين أن يفيقوا من غفلتهم, وأن يجمعوا ما تشتّت من أمرهم, وأن يقفوا صفاً واحداً ضد هذا الهجوم الباغي الأثيم؟.

هل آن للمسلمين أن يعرفوا أنّ الشيوعية لا تبقي منهم باقية, لا على أرواح, ولا على أعراض, ولا على أموال, ولا على جماعة, ولا على تعليم إذا انتصرت, وأخيراً تمحو الإسلام والعياذ بالله في أقطار الإسلام، وأن يعرفوا أن العاصم لهم من هذا الشر المستطير هو الرجوع إلى دينهم الحنيف والاتحاد والتعاون.

أيها المجاهدون، أيها الطلاب، أيها العلماء، أيها القادة أيقظوا قومكم من غفلاتهم، ودقوا أجراس الانتباه فوق رؤوس نيامهم, وأفهموهم أن الخطر يحدق بهم، وأن الإسلام يناديهم من أعلى منابره، ومن الحرمين الشريفين، ومن حرم أولى القبلتين أن يدفعوا عنه هذا الخطر ويردوا البغاة على أعقابهم.

تلك هي كلمتكم الآن قبل كل كلام تريدونه؛ لأن العدو ليس على الأبواب، وإنما هو في داخل الأرجاء جاثم على الصدور.

أنقذوا الشباب من فتنته وجهالته وغرامه بتقليد الأجنبي.

علّموهم حكم الله ورسوله في هذا الموقف الخطر.

نادوا كل مقتدر على حمل لواء المعارضة للعدو للخروج للميدان للجهاد.

نادوا الجميع بالوحدة الشاملة، وتطهير القلوب من المحن والأضغان والوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص في درء هذه الفتنة.

علّموهم أن الإسلام دين الوحدة دين الاجتماع، دين الوئام، دين الألفة، دين السلام ما سلم دين الجهاد إذا هيض جناحه, هو الدين العاصم من كل الشرور والمحقق للخير كله ولسعادة الأولى والآخرة.

ذكّروهم بالتاريخ الماضي وكيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاهدون على قتلهم وكثرة عدوهم وعتاده، ولكنهم كانوا أقوياء بالحق والصدق والإيمان والعمل الصالح، ولذلك نصرهم الله على أعدائهم وأذل الشرك والطغيان في بلاده.

علم الله أني أشعر بالخطر العظيم على الإسلام والمسلمين من الشيوعية ودعاتها شعوراً قوياً، وأسأل الله أن يحفظنا منها، وأن يوفّق المسلمين لما فيه صلاح أمرهم وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم، وينصرهم على أعدائهم، وأن يذلّ أعداء الإسلام على اختلاف أساليبهم وهو القادر على ذلك والمستعان في كل أمر، والقوي المتين القاهر ولا مرجع في كشف الضر سواه سبحانه.

‏12‏/05‏/2020م / ‏الثلاثاء‏، 20‏ رمضان‏، 1441هـ

مقالات ذات صلة

إغلاق